ابدأ رحلة طفلك التعليمية!

سلسلة (كيف تتحدث فيُصغي المراهقون إليك، وتصغي إليهم عندما يتحدثون؟)

الجزء الأول

من أصعب المراحل التي نواجهها كآباء وأمهات في رحلة التربية، هي مرحلة المراهقة بلا شك، هذه المرحلة الضبابية التي نقف فيها حائرين، لا نعرف كيف نخاطب أبناءنا، أنخاطبهم كالأطفال فيزيد ذلك من انزعاجهم ويشعرهم بانتقاصِنا من قدرهم؟ أم نخاطبهم بمنطق الكبار فيؤدي هذا أيضاً إلى امتعاضهم وزيادة غضبهم؟

كيف لنا أن نصل إلى أعماقهم؟ وأين تكون نقطة الالتقاء بيننا وبينهم؟ كيف نجعلهم يستمعون إلى نصائحنا التي ستفيدهم حقاً – لو أنصتوا لها -؟

من أجمل الكتب التي تتناول هذا الموضوع هو كتاب (كيف تتحدث فيُصغي المراهقون إليك، وتصغي إليهم عندما يتحدثون؟)، لا يخبرنا هذا الكتاب عمّا يجب علينا فعله مع أبنائنا المراهقين فقط، بل يسوق لنا أمثلة يومية وسيناريوهات مفصلة لطرق الحوار الفعّال معهم. تمّ تطبيق هذه السيناريوهات من قبل العديد من الآباء والأمهات الذين حضروا ورش عمل أقامتها المؤلفتين ورصدتا من خلالها حجم التغيير الذي حصل في حياة هذه العائلات وبعض القصص التي حدثت بينهم وبين أبنائهم.


فلنبدأ إذاً وبكل حماس رحلةً جديدة لسلسلة كتاب :(كيف تتحدث فيُصغي المراهقون إليك، وتصغي إليهم عندما يتحدثون؟):


إن ما نمرّ به كأولياء أمور صعبٌ حقاً، فكم يكون مفاجئاً لنا حين نرى أطفالنا يتحوّلون إلى أشخاصٍ متجهمين، ينتقدون على الدوام ذوقنا ويتحدّون قراراتنا ويرفضون قيمنا، ناهيك عن مشاعر الخسارة التي تتملكنا حينها: خسارة العلاقة الوثيقة القديمة (من هذا الشخص العدائي المقيم معنا في منزلنا؟)، وخسارة الثقة (لم يتصرف ابني بهذا الشكل؟ أهو بسبب ما فعلته..أم لم أفعله؟)، وخسارة ما يسببه الشعور بالحاجة إلينا من رضى (لا، لا داعي لمجيئك يا أبي، سيرافقني أصدقائي)، وخسارة صورة الحامي القوي لأطفاله من الأذى (أستطيع تدبر أمري وحدي يا أمي). أضيفوا إلى كل هذا شعورنا بالخوف عليهم الذي يفوق إحساسنا بالخسارة سوءاً.

ولا شك أن الزمن الذي نعيشه اليوم، يُغذّي مخاوفنا عليهم أكثر فأكثر، فنرى بعض الآباء والأمهات يلجؤون إلى القسوة في تصرفاتهم وتطبيق قوانينهم وإحكام السيطرة والرقابة عليهم، وفي المقابل نجد آخرين قد نفضوا أيديهم عن أولادهم وتغاضوا عن كل ما يقومون به، فما بين هذين القطبين (“نفّذ ما آمرك به”، أو “افعل ما يحلو لك”) تضيع إمكانية التواصل بين الوالدَين والأبناء المراهقين.

لنفكر معاً بمنطقية: ما الذي سيدفع أي مراهق إلى الانفتاح على من يعاقبه دوماً من الوالدَين؟ وما الذي سيجعله يطلب النصح والإرشاد ممن يترك له الحبل على الغارب منهم؟

إن ما يحتاج إليه المراهق حقاً، هو التعبير عن شكوكه ومخاوفه، والتنفيس عما يعتمل في صدره والبحث فيما يملكه من خيارات مع من ينصتون إليه من البالغين ويساعدونه على اتخاذ قراراتٍ مسؤولة، دون إطلاق أي أحكامٍ مسبقةٍ بحقه.

يجب علينا ألا ننسى أنه لا توجد هناك حلول سريعة، ولا يمكن لنا أن نحمي أبناءنا المراهقين من كل المخاطر، أو نجنبهم الاضطراب العاطفي الذي يتعرضون له خلال مراهقتهم، أو نتخلص من جميع الرسائل الضارة التي تتناقلها وسائل التواصل المختلفة، ولكن نجاحنا في إيجاد مناخٍ منزلي يعبّر فيه أبناؤنا عن مشاعرهم بحرية، يمكن له أن يوفر أرضية مناسبة يصبحون معها أكثر قابلية للاستماع إلى ما نعبرعنه نحن من مشاعر، وأكثر مراعاة لنظرتنا كبالغين إلى الأمور، وقدرةً على تقبل القيود التي نضعها عليهم، وتمتعاً بالحماية التي توفرها قيمنا لهم.

فلنأخذ أمثلة لبعض الأفكار التي تجول في خاطر المراهقين عادةً ولنركز على أسلوب الاستجابات التابعة لها:

“استمعنا اليوم لمحاضرة مطولة عن المخدرات، ألقاها أحد رجال الشرطة، ياله من عاجز! لقد تمثَّل كل ما حاول القيام به في إخافتنا”

  • إخافتكم! إنه يحاول تعليمك شيئاً أيها الجاهل
  • إن ضبطَك هذا الشرطي وأنت تتعاطى المخدرات فسيكون لديك ما تخاف منه حقاً
  • تتمثل مشكلتكم يا مراهقي اليوم في اعتقادكم بمعرفة كل شيء، لكن الحقيقة أنه ما زال عليك تعلم الكثير الكثير

“لمَ يتعين عليّ دائما أن أقوم بأخذ القمامة خارج المنزل؟”

  • لأنكَ لا تقوم بأي شيءٍ هنا باستثناء الأكل والنوم
  • لمَ يتعيّن عليكَ أن تكون من يتذمر على الدوام؟
  • لمَ لا يسبب أخوك الإزعاج حين أطلب منه المساعدة؟

” لا أكترث لإصابتي بالحمّى، ولن أفوّت حضور تلك المباراة الحاسمة أبداً”

  • هذا ما تظنه أنت، لن تبرح فراشك الليلة
  • ما الذي يمكن أن يدفعك للقيام بمثل تلك الحماقة؟ لا تزال مريضاً، ولن تتمكن من حضور المباراة

لاحظوا معي ردّات الأفعال السابقة على أفكار هذا المراهق، لقد اتّسمت كلها بتجاهل مشاعره وتسفيه أفكاره وانتقاد آرائه، وتقديم ما لم يطلبه من النصائح.

في الحقيقة يعد إنكار ودفع الوالدَين لمشاعر أبنائهم المؤلمة أو المحزنة أمراً تلقائياً، إذ يصعب عليهم رؤيتهم محزونين أو مُحبَطين، فيقومون بنبذ هذه المشاعر بحسن نية وفرض منطقهم الراشد على أبنائهم.

لكن ما يجهله الوالِدان أن استماعهم إلى أبنائهم وإنصاتهم لهمومهم التي تشغل بالهم، يُشكّل مبعث راحةٍ عظيمةٍ بالنسبة لهم، وأن قبول أبنائهم لمشاعرهم الحزينة يُسهّل من طريقة تعاملهم معها.

سأطرح عليكم هذا السؤال:
ماذا لو كان أحد زملائكم في العمل مستاءً؟ هل ستصغون لمشاعره وهمومه أم ستبدؤون بإسداء النصائح المتتابعة دون أن يطلب منكم ذلك؟

لماذا لا نُعامل أبناءنا بنفس الطريقة ونتوقف عن توجيههم على الفور كلما عبّروا عما يزعجهم أو يضايقهم؟

لربما كان السبب نابعاً من شعورنا كآباء وأمهات على الدوام بوجوب قيامنا بمعالجة الأمور، لكن يجب علينا أن نغير طريقة تفكيرنا من “كيف أقوم بمعالجة الأمور؟” إلى “كيف اُمكّن أبنائي من معالجة أمورهم بأنفسهم؟”

إذاً كيف نقوم بذلك بطريقة عملية؟ وكيف نُشعر أبناءنا أننا نهتم حقاً لما يشعرون به ونقدر أحاسيهم؟ وكيف لنا أن ننقل لهم نصائحنا دون انزعاجهم؟
هذا ما سأحدثكم عنه بالتفصيل وبأمثلة واقعية في الجزء الثاني من هذه السلسلة.
تابعونا.


هديل قاسم
كتاب: كيف تتحدث فيُصغي المراهقون إليك، وتصغي إليهم عندما يتحدثون؟
تأليف: إديل فابر – إلين مازليش

اضغط هُنا لقراءة الجزء الثاني

قد يعجبك أيضا