ابدأ رحلة طفلك التعليمية!

الآباء والأمهات الهيلوكوبتر: كفّوا عن التحليق فوق رؤوس أطفالكم

من الطبيعي والمهم أيضاً أن نحيط أبناءنا بالرعاية والحماية التي يحتاجونها، وأن نكون على إطّلاع ودراية – حكيمة – لما يواجهونه في حياتهم، وأن نقضي معهم الكثير من الأوقات ونشاركهم الكثير من التجارب والخبرات، لكن لا بد من الموازنة ما بين التواجد الواعي والإرشاد وبين المسارعة في التقاط أي مشكلة أو تحدي تعترض طريق أبنائنا ومحاولة اقتلاعها من جذورها على الفور دون أن نترك لهم المجال في خوض ذلك التحدي أو المرور بتلك المشكلة ومحاولة حلها.

هذا ما يطلق عليه مفهوم (الآباء والأمهات الهليكوبتر): وهم الآباء والأمهات الذين يبالغون ويفرطون في حماية أطفالهم، ويتعمدون ألا يتركوا أي شيء للصدفة في طريق أبنائهم، هم الذين لا يريدون لأبنائهم أن يمرضوا أو يحزنوا أو يتألموا أو يخيب أملهم أو يتعرضوا لفقدان صديق أو حيرة في حل مشكلة ما في حياتهم.

هؤلاء المربين هم الذين يهرعون إلى أطفالهم مطوقين لهم في كل مرة تتمايل فيها أرجلهم الصغيرة، ويلاصقونهم جنباً إلى جنب في أماكن اللعب يلقنونهم ما يجب عليهم قوله أو فعله مع الأطفال الآخرين من حولهم، دون أن يتركوا لهم فرصة الوقوع في مشكلة ومحاولة حلها.

تؤدي تربية الهليكوبتر إلى حرمان الأطفال من اكتساب مهارات الحياة الاساسية، التي تمرّ عادة بأربع مراحل متتابعة وهي:

  • قيام الأهالي بالمهمات من أجل أطفالهم
  • مشاركة الأهالي للمهمات مع أطفالهم
  • مراقبة الأهالي لأطفالهم وهم يقومون بهذه المهمات وإرشادهم
  • قيام الأطفال بهذه المهمات وحدهم بطريقة مستقلة


ولكن بعض الأهالي يبقون عالقين في المرحلة الأولى ولا يتجاوزونها مهما كبر أولادهم في العمر، فحتى لو أصبح طفلهم الصغير رجلاً كبيراً مسؤولاً يظلّ هؤلاء الأهالي حاملين على عاتقهم مهمة إيقاظه من النوم والاطمئنان على صحته يومياً ومتابعته إلى أن يصل إلى مكان عمله، وسؤاله الدائم عن أسماء أصدقائه والأماكن التي يرتادها على الدوام، ويتحملون هم مهمة دفع فواتير منزله وملىء خزان سيارته بالوقود، وتفقد ثلاجته وشراء حاجياته… متخيلين أن حياة ابنهم هذا لن تسير على ما يرام دونهم.

هذا ما يشبه حقاً الهليكوبتر التي تحلق فوق رأس أحدهم أينما ذهب طوال الوقت، يا له من أمرٍ مزعج بالفعل!
لماذا يتصرف بعض الأهالي بطريقة الهليكوبتر؟

الخوف من العواقب الوخيمة: يخشى هؤلاء الأهالي من تعرض أطفالهم للألم نتيجة سقوطهم على الأرض أثناء اللعب مثلاً، أو خسارتهم لبعض العلامات في مدرستهم، أو تعرضهم للحزن نتيجة حصول خلاف بينهم وبين أصدقائهم فيسارعون عن حسن نية باجتثاث هذه المشاكل من أصلها حماية لهم، لكن الحقيقة هي أن هذه المشاعر ليست مهددة للحياة كما يعتقدون بل هي وسيلة للتعلم من خلال التجربة والخطأ واكتساب الخبرة وتكوين مهارات حل المشكلات.


الشعور بالقلق: قد يعاني بعض الأهالي من القلق الشديد أو القلق المرضي الذي ينعكس على تعاملهم مع أطفالهم بحيث تبقى الأفكار المليئة بالمخاوف والتوتر تسيطر عليهم وتدفعهم لتطويق أبنائهم وحمايتهم دون وجود دافع منطقي لذلك.


الشعور بالتعويض: عادةً ما تترك طريقة الهليكوبتر شعوراً بالتعويض والرضى لدى الأهالي، حيث يعيشون حياة أبنائهم بكل تفاصيلها فيتولد لديهم الإحساس بالأهمية وبتوفر المعنى لوجودهم.


ضغط الأقران من الأهالي الآخرين: عندما يتواجد أقران من الأهالي الهليكوبتر في محيط الأهل، فإنهم قد يُشعرونهم بالتقصير لعدم إحاطتهم بكل تفاصيل حياة أبنائهم كما يفعلون هم، فيحذون حذوهم.


السؤال الأهم هو: ما تأثير تربية الهليكوبتر على الأبناء؟
للأسف تعود تربية الهليكوبتر بالكثير من الآثار السلبية على الأبناء، تتلخص بالآتي:

انخفاض الشعور بالثقة واحترام الذات: كيف سيكون شعور الطفل إذا كان والِداه يقومان بكل شيء بدلاً منه؟ لابدّ أنه سيشعر بعدم الكفاءة للقيام بأي شيء وبأنه لا يملك أي من القدرات التي تمكنه من إنجاز الأمور وحده.

مهارات تأقلم غير متطورة: كيف يمكن للطفل أن يكوّن مهارات حياتية إن لم يخض تجارب حقيقية على أرض الواقع؟ وكيف سيتعلم المرونة والتعامل مع الظروف المختلفة إن لم يُعايش أياً منها على الإطلاق؟

زيادة الشعور بالقلق: أشارت بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين تربية الهليكوبتر وبين نشوء أبناء يعانون من القلق والاكتئاب، لعدم ثقتهم بقدرتهم على مواجهة الحياة وصعوباتها.

الشعور بالاستحقاق: قد يشعر بعض الأطفال الذين اعتادوا على أن يتم تلبية كل احتياجاتهم على الفور بأن هذا هو الوضع الطبيعي وبأنهم يستحقون دائماً بذل الآخرين كل ما في جهدهم لأجل توفير الراحة والحماية لهم.


كيف يمكن تجنب اتباع طريقة الهليكوبتر في التربية؟
مما لا شك فيه أن العملية التربوية هي عملية تطوير مستمرة، ففي حال اكتشف أحد الوالدين أنه يمارس التربية الهليكوبتر فإن بعض النقاط التالية قد تكون مساعدة له:

  • بدلاً من التركيز على النتائج اللحظية، فكّروا بالآثار بعيدة المدى التي تسببها تربية الهليكوبتر، واسألوا أنفسكم: أيهما أفضل أن أطعم طفلي سمكة كل يوم أم أن أعلمه كيف يصطاد؟
  • قاوموا رغباتكم الداخلية في القيام بالمهمات عوضاً عن أطفالكم، وأفسحوا لهم المجال ليستعملوا قدراتهم ومهاراتهم
  • أتركوا أطفالكم يقومون بأنفسهم باتخاذ القرارات المتناسبة مع عمرهم
  • عند تعرض أطفالكم لمشاكل الخصام بينهم وبين أصدقائهم أو أقربائهم، لا تتدخلوا في حل هذه الخصومة بل علّموهم مهارات التواصل وحل الخلافات وطريقة التعبير عن المشاعر والتوصّل إلى حلول مرضية لجميع الأطراف
  • لا تمنعوهم من التعرض لبعض أنواع الفشل، رغم صعوبة هذا الامر إلاّ أنه طريقة مفيدة لاكتساب مهارات التعامل مع خيبات الأمل التي لا بدّ ان يتعرض لها الشخص في حياته
  • علموهم الكثير من المهارات واجعلوهم يخوضوا عدداً من التجارب المفيدة، مثل ترتيب غرفة نومهم، تحضير فطورهم بأنفسهم، مهارات التحدث مع الكبار، مهارات ترتيب الأولويات.

يبقى علينا في النهاية تحقيق التوازن للمحافظة على تلك الشعرة الفاصلة بين التواجد الدائم الداعم في حياة أطفالنا الذي يشعرهم بالحب والأمان، وبين التحليق المزعج المدمّر اللّاغي لأي فرصة للنمو والتطور والازدهار فوق رؤوس أطفالنا.

هديل قاسم